‏إظهار الرسائل ذات التسميات لطائف سورة الكهف. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات لطائف سورة الكهف. إظهار كافة الرسائل

 


 " مقـدمة "

     إن الكلام عن مفاهيم الآيات في القرآن الكريم ليس له حدود، ومهما تعددت التفاسير فسيبقى هذا الكتاب شامخًا بعلومه وأسراره ومعجزاته، فلا يُحصر نفعها ولا تُدرك كل المعاني والأسرار الموجودة في السورة بل الآية الواحدة حتى، قال تعالى: (( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ))

     ولقد أنزل الله كتابه العزيز هدًى للعالمين. ونبراسًا للمهتدين، قال قتادة رحمه الله: جعله الله هدًى وضيًاء لمن صدق به ونور للمتقين، ورغبةً في نيل هذا الهدى حرصنا على نقل اللطائف اليسير من سورة الكهف، والتي اعتدنا على قراءتها، ولكن هل تلمسنا الجوانب النافعة التي بها؟ وهل علمنا ماذا علينا من سورة الكهف؟ ومن هنا شرعنا في نقل هذه اللطائف بطريقة مبسطة ليسهل نشرها بين العامة، ولتُقرَّب معاني الرشد الخفية في هذه السورة المباركة بواقعٍ ملموس لتُعلم آلية التطبيق والاستفادة منها في حياتنا اليومية

     فنسأله سبحانه بجهدنا المتواضع أن نكون من أولئك الذين استضاءوا بذلك النور المبارك (( يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ )) وألا يجعلنا من الذين حُرموا وخابت أعمالهم وخانت أقوالهم

 

"لطائف سورة الكهف الميسرة"
الدرس الثاني





{قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ۝ مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا}


شَعرَ الفؤادُ بأسمَائهِ حِينَ

امتثلتِ الجوارحُ ونَطقَ اللسانَ


فأقولُ *البَّرُ* أَحسَنَ لِعبادهِ

عبَّدَ طريقًا قَيمًا نحوَ الجِنانَ


*والعَليمُ* عَلِمَ حالَ خَلقهِ

فهَيأَ النذيرَ والبشيرَ تِبيانَ


تقدم في الدرس السابق أنه سبحانه هو المحمود عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ؛ وله الحمد على إنزاله الكتاب العزيز على رسوله المبعوث رحمة للعالمين ﷺ؛ فإنها أعظمُ نعمةٍ على وجه الأرضِ؛ إذ بدّل الحال من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى العلم، ومن البداءة إلى الحضارةِ، فجعله كتابًا مستقيمًا لَا اعوحاج فيه وَلَا زَيْغَ، بل مرشدٌ إلى الصراط المستقيم لأمور الدين والدنياٍ، وهنا يذكر سبحانه: أنه ﴿قَيِّمًا﴾ أَيْ: مستقيمًا

لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ﴾ أَيْ: لمن خالف أوامره، ولم يؤمن به ولا يقوم به في نفسه ودنياهِ، فنذارة له لينجو من عقوبة عاجلةً ﴿

.في الدنيا أو آجلةً في الآخرة، ﴿مِنْ لَدُنْهُ﴾ أَيْ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فلا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد


لُطف 

من أجمل اللطائف في أسلوب القرآن، هي الجمع بين الترغيب والترهيب حفاظًا على استقرار النفس واطمأنانها فلا يشوب نفس المؤمن يأسٌ ولا رهبة فـ ﴿وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أَيْ: بهذا القرآن فهو أمنهم وآمانهم، وهاديهم ومشردهم، رفيقهم ومؤنسهم وهذا نتيجة إيمانهم به وأعمالهم الصالحةِ فهذه بشارةٌ لهم ﴿أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا﴾ أَيْ: مثوى كريم وشكرٌ من الله حسنٌ لهم و﴿مَاكِثِينَ فِيهِ﴾ في هذا النعيم 

.والثواب الجزيل، ففي الجنة مخلدون، والدنيا في نعمٍ يتقلبون ﴿أَبَدًا﴾ دَائِمًا لَا زَوَالَ لَهذا الفضل وَلَا انْقِضَاءَ


والعَدْلُ الحَكيمُ، واللطيفُ الرّحيمُ الكريم

أنذرَ حُجةً وبشّرَ المُؤمنينَ أجرًا وإحسانًا


*والحسيبُ الخبيرُ* أحصى عملَ كلّ عاملٍ

فقضى للمُسيءِ عدلًا، وجَزى المؤمنَ رِضوانَ


فلـ تحوز على هذا النعيم في استقرار النفس،

وأمن وآمان الخاطر فلا تحزن ولا تكدر!

الزَم القرآن ، لا تعجبوا حين أقول لكم أنه كل

الاستشارات التي تحتاجونها ستجدونها فيه

:والدليل

قوله ﷺ: « ما أصاب أحدًا قط همٌّ و لا حزنٌ ، فقال : اللهمَّ إني عبدُك ، و ابنُ عبدِك ، و ابنُ أَمَتِك ، ناصيتي بيدِك ، ماضٍ فيَّ حكمُك ، عدلٌ فيَّ قضاؤُك ، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك ، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك ، أو أنزلتَه في كتابِك ، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك ، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ، و نورَ صدري ، و جلاءَ حزني ، و ذَهابَ همِّي ، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ و حزنَه ، و أبدلَه مكانَه 

.»فرجًا قال : فقيل : يا رسولَ اللهِ ألا نتعلَّمُها ؟ فقال بلى ، ينبغي لمن سمعَها أن يتعلَّمَها

فتخيل لو أنك مهمومٌ لتعطل سيارتك فكيف يمكن للقرآن أن يُذهب الهم! فلا يشترط في الجواب أن يكون مثلًا عليك بتغير زيت السيارة... بل الإلهام وإنارة البصيرة، واستجماع القوة، وأن يفتح على عقل المرء وقلبه وغيره كثير مما يعين على أن يتخلص المرء مما يُشكل عليه، وقد تأتي إجابة صريحة واضحة، فمثلًا شخصٌ أهلك جسده المرض فهو يائس ففتح المصحف فقرأ ﴿وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ یَشۡفِینِ﴾، فتقوى همته في الدعاء ويزداد يقينه بالله، ويحذو خلف خطى الأنبياء في اليقين والصبر، واليقين التام إن صح وكان يقينًا لا زعزعة فيه

.شُفي شفاءً تامًا، وغيرها من القصص الكثيرة والأمثلة العديدة في هذا المجال

 وأن يُذهب هذا القرآن حزن قلبك، وغمك وهمك، ويخرجك من شتات الأمور إلى الوضوح والاستقامة، ويبدل خوفك وضعفك إلى أمنٍ وقوة فهذه عاجل بشراكَ في الدنيا، فإن صح تأثير الدواء على المريض فاعلم أنك وُفقت للطريقة الصحيحة لكيفية الاستفادة من هذا 

.الدواء على أكمل وجه، وأنك على طريقةً مستقيمة لا اعوجاج فيها فاحمد الله ألفًا وألفًا

والحمد لله رب العالمين

 

"لطائف سورة الكهف الميسرة"
الدرس الأول





الأحاديث المروية في فضل قراءة سورة الكهف

:منها الضعيف الذي يقوي بعضه، ومنها الحسن، ومنها الصحيح كحديث

  • ."عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ عنِ النبيِّ ﷺ أنَّه قال: "من قرأ سورةَ الكهفِ في يومِ الجمعةِ، أضاء له من النورِ ما بين الجمُعتَينِ

الـــراوي: أبو سعيد الخدري |

المحدث: الألباني |

المصـدر: صحيح الجامع |

الصفحة/الرقم : ٦٤٧٠ |

خلاصة حكم المحدث: صحيح


  • ."وعن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ عنِ النبيِّ ﷺ أنَّه قال: "من قرأ سورةَ الكهفِ يومَ الجمعةِ أضاء له النُّورُ ما بينَه و بين البيتِ العتيقِ

الـــراوي: أبو سعيد الخدري |

المحدث: الألباني |

المصـدر: صحيح الجامع |

الصفحة/الرقم: ٦٤٧١ |

خلاصة حكم المحدث: صحيح


:حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة

استحَبَّ الجمهور: الحَنَفيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، قراءةَ سورةِ الكهفِ يومَ الجُمُعة واختاره ابنُ الحاج من المالِكيَّة، وابنُ باز، وابنُ عثيمين
.رحمهم الله، واستدلوا على ذلك بالدليلين السابقين


{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا}

.. الحمد لله ..

تلك نعمةٌ مِن جودهِ أنزلها

فأعطى ما لم يكن في الحسبانِ

قرآنًا خالٍ من العِوجِ والهوى

سُبحانكَ في إيثاركَ معنى الإحسانِ

دعوة_للتفكير#

هل حمدنا الله يومًا أنه أنزل علينا قرآنًا غير ذي عوج؟

ولماذا ذكّرنا الله بأنّ علينا حمده على هذا؟

فالجواب: لأنها أعظم النِعم على الإطلاق، ففيه منهج المرء، وحلول مشكلاته، وكيفية التعامل هنا وهناك، وكيف نتصرف هنا وهناك، وكيف نأكل وكيف نشرب وكيف نلبس وكيف نعبد ... كل ما تحتاجه البشرية من الرأس لأخمص القدمين فهو موجودٌ في هذا الكتاب
...العظيم، وفيه التسلية وفيه الأنس والوجدان، وفي ضمنه إرشاد العباد ليحمدوه على إرسال الرسول إليهم، وإنزال
:الكتاب عليهم، 
أما الوصفين في الآية؛ فلأنه كاملٌ من جميع الوجوه، وهما

نفي العوج عنه -

إثبات أنه قيم مستقيم -

.فنفي العوج يقتضي أنه ليس في أخباره كذب، ولا فيما أمر ونهى ظلم ولا عبث ولا هباء

وإثبات الاستقامة، يقتضي الاطمئنان بأن هذا الطريق الذي اتخذناه هو طريقٌ قويم، طريقٌ صحيح، وهذا من جمائل هذا الدين القويم إذ يجعل النرء متنعم ومقنعًا اقتناعًا تامًا بأن النجد الذي سلكه نجد لا خلل فيه، وحرص على أن تكون القلوب مقتنعةً بمعرفة الله معرفةً
.حقة، والإيمان به نصًا وعقلًا دون زيغ ولا شبهات

كما قال السعدي رحمه الله: "كالإخبار بأسماء الله وصفاته وأفعاله، ومنها الغيوب المتقدمة والمتأخرة، وأن أوامره ونواهيه، تزكي النفوس
.وتطهرها وتنميها وتكملها، لاشتمالها على كمال العدل والقسط، والإخلاص، والعبودية لله رب العالمين وحده لا شريك له
."وحقيق بكتاب موصوف. بما ذكر، أن يحمد الله نفسه على إنزاله، وأن يتمدح إلى عباده به

 فلمثلِ هذه الأوصاف وهذه النعمة العظيمة ينبغي للمرء ألا يخلو يومه من حمد لله عليها، فالقرآن منهج العقل، وقوامة النفس، وفقه
.الفؤاد، وسبيل الرُشد، وهادِ المسافرين وزادهم

والحمد لله رب العالمين